دستور الكويت في الذكرى الثامنة والخمسين .. وثيقة النهضة الوطنية والريادة الإقليمية



2020-11-11

تمر اليوم الذكرى الثامنة والخمسون لصدور دستور دولة الكويت في 11 نوفمبر 1962 وهو الأقدم في منطقة الخليج العربي والذي شكل نقلة نوعية نحو بناء دولة حديثة قائمة على مؤسسات دستورية بهدف خلق إدارة عادلة لكيان هذه الدولة تتساوى فيها الحقوق والواجبات. ويعبر دستور الكويت عن إرادة الحاكم والمحكوم في العيش معًا تحت مظلة الديمقراطية وبناء دولة القانون، كما يعد الوثيقة الكبرى التي تحدد نظام الدولة وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. والكويت وهي تحتفل اليوم بذكرى دستورها فإنها تستذكر تاريخًا مشرفًا من الإنجازات على طريق الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان. وتم إصدار الدستور في عهد الأمير عبد الله السالم ويأخذ بالنظام الديمقراطي ويقرر ذلك في مادته السادسة التي تنص على أن 'نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعًا وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور'. وحدد الدستور خلال الباب الرابع العلاقة بين السلطة التشريعية والمتمثلة بمجلس الأمة، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية كما قرر الدستور وجود مجلس منتخب (مجلس الأمة) لميقات معلوم ويحدد أسلوب انتخاب أعضائه، ليصبحوا بعد انتخابهم ممثلين للأمة بأسرها. وكان من نتيجة إصدار الدستور انتخاب 15 مجلساً تشريعياً بالإضافة إلى مجلسين مبطلين بحكم المحكمة الدستورية في فبراير وفي ديسمبر 2012. المجلس التأسيسي في أعقاب الاستقلال صدر القانون رقم (1) لسنة 1962 متضمنًا النظام الأساس للحكم في فترة الانتقال، وكان بمنزلة دستور مؤقت يطبق خلال الفترة التي سبقت إصدار الدستور الدائم وقد أناط القانون بالمجلس التأسيسي مهمة وضع مشروع دستور للبلاد. ونصت المادة الأولى من الدستور المؤقت على أن 'يقوم المجلس التأسيسي بإعداد دستور يبين نظام الحكم على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت وأهدافها'. ولم يكن ينفرد المجلس بهذه الوظيفة التأسيسية وإنما كان يشاركه فيها الأمير إذ لا يعد مشروع الدستور الذي يضعه المجلس نافذًا إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره. وفي اجتماع المجلس بتاريخ 27 فبراير 1962 خلال مناقشة مشروع اللائحة الداخلية للمجلس التأسيسي تم الاتفاق على أن تشكل كل لجنة من لجان المجلس من ثلاثة أعضاء، عدا لجنة الدستور فتتألف من خمسة أعضاء. وفي جلسة 3 مارس 1962 تم انتخاب لجنة الدستور التي ضمت خمسة أعضاء هم رئيس المجلس التأسيسي عبد اللطيف ثنيان الغانم والشيخ سعد العبدالله وحمود الزيد الخالد ويعقوب يوسف الحميضي وسعود عبدالعزيز العبدالرزاق. وتولى سكرتارية اللجنة الأمين العام للمجلس التأسيسي علي الرضوان وشارك في اجتماعات اللجنة الخبير القانوني محسن عبدالحافظ إلى جانب الخبير الدستوري د.عثمان خليل. واعتبرت مشاركة الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله - رحمه الله- في اللجنة مبادرة سياسية لأول مرة في تاريخ الكويت البرلماني سبقتها رئاسة الشيخ عبدالله السالم للمجلس التشريعي عام 1938. 23 جلسة وعقدت لجنة الدستور جلستها الأولى في 17 مارس 1962 برئاسة عبد اللطيف ثنيان الغانم وعقدت آخر جلساتها في 27 أكتوبر من العام نفسه وبلغ مجموع جلساتها 23 . وشهدت نقاشات لجنة إعداد وصياغة الدستور تباينًا في الآراء بين فريق الحكومة والأعضاء ودارت معظم النقاشات حول الهدف من الدستور. وناقشت اللجنة باستفاضة التفاصيل كافة المتعلقة بالدستور ومكوناته وأبوابه ومواده وفيما يخص آلية الحكم وكيان الدولة وتشكيل الوزارة وعدد الأعضاء والجنسية وتعديل المادة الثانية وغيرها. وأنهت لجنة إعداد الدستور أعمالها وأحالت مشروع الدستور بأكمله إلى المجلس التأسيسي لمناقشته وإقراره وأول مهمة قام بها المجلس هي النظر في مشروع الدستور في 12 أغسطس 1962. وفي جلسته المنعقدة بتاريخ 30 أكتوبر من العام نفسه تمت تلاوة مواد مشروع الدستور مادة مادة ثم أخذ التصويت على المشروع وذلك بالمناداة على الأعضاء فردًا فردًا. وتمت الموافقة عليه من قبل أعضاء المجلس وأقر مشروع الدستور بالإجماع بجلسته المنعقدة في 3 نوفمبر 1962. وقدم رئيس المجلس التأسيسي الدستور الجديد إلى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم بقصر السيف في الثامن من نوفمبر 1962 والقى كلمة قال فيها 'إنه لشرف كبير لزملائي أعضاء لجنة الدستور ولشخصي أن نتقدم إلى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت'. وصادق الأمير على الدستور بعد ثلاثة أيام من تاريخ رفعه إليه وتم إصداره وكان على الصورة التي أقرها المجلس وتم نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره. أول انتخابات لمجلس الأمة وبعد مضي 72 يومًا فقط على إقرار الدستور أجريت في 23 يناير 1963 أول انتخابات شاملة في الكويت لانتخاب أعضاء مجلس للأمة وكان ذلك إيذانًا رسميًّا ببدء العمل بالممارسة السياسية بموجب أحكام الدستور الجديد كما كان المدخل الذي نفذت من خلاله حدود سلطات البلاد الرئيسة وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية. مراحل تاريخية مرت الكويت بتجارب دستورية عبر تاريخها السياسي بداية من إقرار دستورها الأول وصولًا إلى دستورها الحالي المعمول به. الدستور الأول (1921 م) يعد أول دستور مكتوب بدولة الكويت ويحتوي على 5 مواد فقط وتم إنشاء مجلس استشاري في العام نفسه تطبيقاً لهذا الدستور، وجرى اختيار أعضاء المجلس الاستشاري عن طريق التعيين وعددهم 12 عضواً. الدستور الثاني (1938 م) تمت صياغة هذا الدستور من قبل المجلس التشريعي الذي أنشئ في العام نفسه، وأعضاء المجلس التشريعي منتخبون وعددهم 15 عضواً، ويعد أكثر تطوراً من الدستور الذي سبقه. الدستور الثالث (1961 م) أصدر هذا الدستور الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم لينظم عمل السلطات العامة حتى يتم الانتهاء من الدستور الدائم، وتم العمل بهذا الدستور لمدة عام واحد فقط. الدستور الرابع الحالي (1962 م) أعد هذا الدستور المجلس التأسيسي المكون من 31 عضواً، 20 منهم منتخبون والباقي هم الوزراء المعينون، وصدق عليه الشيخ عبد الله السالم من دون أي تعديل وهو دستور مكتوب ودونت أحكامه في وثيقة مكتوبة. وتتطلب إجراءات تعديل هذا الدستور موافقة الأمير وثلثي أعضاء مجلس الأمة، وإذا رفض أحد الطرفين يعد رفضاً لاقتراح التعديل وتم إلحاق مذكرة تفسيرية شارحة لنصوص الدستور والمذكرة ملزمة في تفسير الدستور. مواد الدستور ينقسم الدستور الكويتي إلى 5 أبواب تضم 183 مادة تضع النظام الأساسي للديموقراطية ونظام الحكم في الكويت وتحكم هذه المواد العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويقوم الباب الأول في الدستور والذي يضم 6 مواد بشرح خصائص الدولة ونظام الحكم، ويؤكد انتماء الكويت للوطن العربي والإسلامي واستقلالية الكويت. وتحصر المادة الرابعة الحكم في ذرية الشيخ مبارك الصباح على أن يكون الحكم في الكويت ديموقراطيا مبنيا على مجلس الأمة وضمن الصلاحيات الواضحة في الدستور. ويشدد الباب الثاني من الدستور على المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي كالعدالة الاجتماعية وحق التعليم، كما حدد دور الدولة في رعايتها الصحة والتعليم والفنون والآداب والبحث العلمي وصيانة النشء. ويرسم الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة وحقوق المواطن الكويتي والتي ترتكز على مبدأ الحرية والمساواة وكفل الدستور حرية الاعتقاد والرأي ضمن احترام النظام العام. وينقسم الباب الرابع إلى 5 فصول تضم معظم مواد الدستور والتي تنظم العلاقة بين السلطة التشريعية والمتمثلة بمجلس الأمة، والسلطة التنفيذية (الحكومة)، والسلطة القضائية، كما يشرح الفصل الثاني من هذا الباب صلاحيات رئيس الدولة. ويحتوي الباب الخامس على 10 مواد تشرح بعض الأحكام العامة وأحكام مؤقتة انتهت بتطبيق القانون، كما تشرح المادة 174 نظام تنقيح أو تعديل مادة من مواد الدستور.

مصدر الخبر : شبكة الدستور البرلمانية