كلمة رئيس مجلس الأمة في حفل افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الخامس عشر



2018-10-30

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين  حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظكم الله ورعاكم سمو ولي العهد رعاكم الله سمو رئيس مجلس الوزراء الموقر الأخوة الأفاضل ، والأخوات الفاضلات ضيوفنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل (  وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيم )  صدق الله العظيم   الأخوات ، الأخوة الحضور ….  بالأصالة عن نفسي ، ونيابة عن زملائي وزميلاتي أعضاء مجلس الامة ، أرحب بكم يا صاحب السمو أجمل ترحيب ، في قاعة عبدالله السالم الذي ترعرعتم بين يديه يافعا أرحب بكم في بيت الشعب ، الذي شهدتم ولادته وتأسيسه شابا متوقدا أرحب بكم في مؤسستنا التشريعية التي كنتم وما زلتم حارس دستورها  ، شيخا وأميرا  وذات الحفاوة والترحيب موصولة لسمو ولي العهد الأمين ، العضد العضيد ، والسند العتيد  يا صاحب السمو …. تارة نتوجه اليك بعد الله بالرجاء والطلب وتارة نتوجه اليك بالوعد والتعاهد ومرات عديدة توجهنا اليك طالبين المشورة والنصيحة والتوجيه  لكن هـذه المرة أشعر بـأن من واجبي أن أتوجه اليك بشعور واحد لا غير وهو الشعور بالامتنان  نحن ممتنون يا صاحب السمو لأننا نعرف حقا ، وندرك جيدا ، ما تفعله لصون بلدنا وحمايته والنأي به عن كل المخاطر التي تحدق به ممتنون لأنه برغم كل ما يحيط بنا من صراعات وتوترات ومغامرات  ، وبرغم كل الممارسات المستمرة للسعار السياسي في اقليمنا الملتهب ، تأتي أنت بكل هذا الهدوء الرزين ، والرصانة السياسية ، والوقار الدبلوماسي  تأتي بكل ما في ارثك السياسي ، من صبر وتأن وخبرة وحكمة وترو ، لتحصن الكويت من دوي التراشق ، وتزيد مناعتها ضد كل الانفعالات السياسية والصخب الاستراتيجي نعم يا سمو الأمير  نريدك أن تعرف بأننا نعرف وأن تدرك بأننا ندرك وأن تثق بأننا نثق نحن نعرف وندرك ونثق بكل ما تقوم به برغم تعب السنوات الطوال وغياب رفاق الدرب وتراجع منسوب الحكمة وبرغم جحود هنا ، وقلة وفاء هناك وبرغم التنمر والنزق ما زلت واقفا بشموخ  صلبا حكيما واثقا  لا شيء في جعبتك ، لشعبنا وأشقائنا وأصدقائنا ، الا الحب والخير والرغبة في السلام والنماء هكذا عرفناك وهكذا سنكمل معك وسينتصر خيارك ، لأنه الأصل وسيسقط كل ما عداه ، لأنه عابر ومؤقت وعرضي هذه ليست نبوءة هذا منطق التاريخ فشكرا كبيرة جدا جدا ، أيها الكبير  الاخوات والأخوة …. أجد من واجبي ان استهل خطابي اليوم ، كما بدأته العام المنصرم ، بملف المستجدات المتسارعة في المنطقة وما يقلقنا إزاء تلك التطورات ، هذه المرة ، ليست خطورتها فقط وتأثيراتها واحتمالاتها بل المقلق في الامر هو عبثية المشهد ، ودخوله في ( اللامعقول ) السياسي ، و( اللامسبوق ) الاستراتيجي هو مشهد سريالي بامتياز شديد التحول متسارع التغير تنتقل فيه الاصطفافات السياسية وتتحول بشكل درامي  وهذه التطورات يجب ان تكون على رأس اهتماماتنا وانشغالاتنا وأولوياتنا الوطنية ، وذلك بفعل راهنيتها وطارئيتها ووقعها المؤلم وتأثيراتها الكارثية المحتملة  ونحن أمام تلك الأزمات والاحترابات، نواجه خيارين لا ثالث لهما اما أن ننفعل ، أو أن نفعل اما أن نتسرع ، أو نسرع نتسرع فنصب الزيت على النار أو نسرع ، فنحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه وعــلـيه ،،،، اتخذت الكويت منذ زمن طويل، موقفا اتسم بالصدق والنضج معا  وهذا الموقف تمثل في محاولة اصلاح ما اختل،ومعالجة ما اعتل وهو موقف استلهم العقيدة السياسية التقليدية لحضرة صاحب السمو أمير البلاد تلك العقيدة المنحازة للوفاق الميالة للتهدئات الجانحة نحو الاعتدال المشجعة للحوارات والتفاهمات  ونحن من جانبنا علينا واجب الوقوف خلف سياسات سمو أمير البلاد ، مقتدين بمنهجه الموضوعي ، الرصين والناضج ، واثقين بأن تلك الجهود والسياسات التي ينتهجها سموه ، ستنجح عاجلا ام آجلا  الحضور الكرام ..... ونحن نتحدث عن ظروفنا الإقليمية والدولية الدقيقة ، لم يعد مقبولا لنا ككويتيين ان نتخلى عما ميزنا عبر الزمن من مناقب وخصال ، وخاصة تلك المتعلقة بالحكمة والنضج والعمق والتروي والصبر والانسجام مع الطبيعة والتصالح مع الجغرافيا وفوق تلك المناقب والخصال لم يعد ممكنا ولا مقبولا ان نتنازل عن سلاحنا الرئيسي والأول ونتخلى عنه ، سلاحنا الذي جربناه مرارا ككويتيين فحمانا ، وخبرناه قرونا فصاننا وأعني بهذا السلاح ، وحدتنا الوطنية لقد كنا على الدوام أقوياء بوحدتنا بتضامننا بعلو همتنا ونحن حين نتحدث عن الوحدة الوطنية ، لا نتحدث عن شعار تم استهلاكه واستخدامه مرارا كما يريد البعض ان يصور ، بل عن قدر وطني لا مناص منه  وعندما أقول لا مناص منه ، فأنا أعني ما أقول فعبر تاريخنا الطويل ، جربنا كل أشكال الابتلاء جربنا المجاعات والأوبئة والغزو الخارجي والإرهاب وأمام كل ابتلاء ، كانت وحدتنا وتعاضدنا بعد الايمان بالله ، سلاحنا المجرب ، وفارسنا المدرب فبدون وحدتنا ، لن تنفعنا مواردنا وسياساتنا وإجراءاتنا الأمنية واستعداداتنا الوقائية فالوحدة هنا ، شرط أساسي ومحوري للاستقرار والامن والتنمية والبناء  لذا أيها السادة علينا الا نتسامح مع كل طرح تقسيمي تفتيتي أيا كان عنوانه وعلينا الا نتسامح مع كل صوت نشاز يثير الكراهيات وخطاب التشاحن والتخاشن  أخواتي أخواني ..... مر على مجلسنا زهاء العامين وما زالت التحديات هي التحديات وما زالت الاستحقاقات ذات الاستحقاقات تحديات التنمية بكل عناوينها العريضة من تعليم وصحة واسكان وخدمات وإدارة وحوكمة وغيرها تحديات الامن الاستراتيجي تحديات الطاقة وتنويع مصادر الدخل تحديات الشرائح المجتمعية الصاعدة ، وعلى رأسها الشباب والمرأة  ان مجابهة هذه التحديات ، والتعاطي معها ، والتصدي لها مسؤولية جماعية ولأنها جماعية فإنها تتطلب الشرط الأساسي لكل عمل مشترك ألا وهو ( التعاون )  وأعني هنا بشكل أساسي، التعاون بين السلطتين التعاون بوصفه نقيضا لكل الانانيات، وآفات التواكل ، وعيوب التنصل ، والقاء المسؤولية على الآخر لذلك سأقول هنا ، مخاطرا بكوني أميل الى الحسم والقطعية في هذا الجانب ( لن يتحقق انجاز واحد على الأرض من دون تعاون ) وأي صيغة أخرى للعلاقة بين السلطتين ستكون نتائجها كارثية صيغة التناحر والتناكف صيغة تسجيل النقاط على بعضنا البعض  صيغة المزايدات والشعبويات صيغة المساومات السياسية الضيقة ان كل تلك الصيغ تنطوي على تشويه للمشهد السياسي ، وتزييف لإرادة الامة فالصيغة المثلى والوحيدة هي ( التعاون الحقيقي البناء المتكافيء بين السلطتين )  وهنا وجب التأكيد على نقطة مهمة ، وهي ان الدعوة الى التعاون لا تعني التفريط بأدواتنا الرقابية ، بل ان الجانب الرقابي مهم وحيوي لتحقيق هذا التعاون في اطاره الدستوري السليم  الرقابة الصادقة الموضوعية لا رقابة التعسف والتصفيات السياسية الرقابة التي تكشف الحقيقة من أجل الحقيقة ذاتها الرقابة التي تستدعي التفاصيل والأرقام والحقائق الرقابة التي تسعى الى اصلاح الخلل ، لا الى ابراء الذمة انتخابيا  الرقابة التي تتدرج في استخدام الأدوات الدستورية كما نص عليها الدستور ومذكرته التفسيرية ومحاضر المجلس التأسيسي  الأخوات والأخوة ....  نحن نعيش مرحلة استثنائية تحتاج إلى مواقف استثنائية وهذه المواقف يجب ان تصب في قناة الإصلاح الإصلاح بوصفه مطلبا وضرورة واستحقاقا الإصلاح الذي يجب الشروع به عبر بوابة التعاون والتدرج والخطط الواقعية والبدائل القابلة للتطبيق بدلا من الإصلاح المتكئ على الشعارية واللغة الانشائية سهل جدا ان ننتقد ونصعد ونزايد لكن الصعب أن تعمل وفق خطة عملية شاملة وتقدم الحلول والمعالجات إن الخطاب السياسي القائم على الإشارة إلى مواضع الخلل فقط ، هو خطاب قاصر وممل ولا يؤدي إلى مكان ، مالم يقدم حلا لهذا الخلل ، أو يرسم خارطة طريق ، مشفوعة بجدول زمني واقعي وشفاف  وكما قلت مرارا علينا أن نبعد قليلا هاجس الإنتخابات القادمة ، ونعمل جديا للأجيال القادمة إن نواب الشعب وممثلي الامة هم رجال دولة ، وعليهم استحقاق أن يضعوا المصلحة العامة للدولة فوق أي اعتبارات اخرى كما أن رجل الدولة يقود ولا يقاد يؤثر بما يراه حقا ، ولا يتأثر بضغوط الباطل يبحث عن الحقيقة كما هي ، الحقيقة الصرفة العارية لا ان يدغدغ عواطف الناخبين والامثلة أكثر من ان تحصى في كيف يمكن لقضية مستحقة ، أو ملف وطني ملح ، أن يتم مسخه والتلاعب به ، بداء التسييس والمزايدة والشعبوية ، ويساعد في ذلك ، استخدام بشع وانتهازي ومزيف ، لبعض وسائل التواصل الاجتماعي  لذلك نؤكد مرة أخرى على ضرورة تقويم عملنا السياسي ، وابعاده عن آفات التصيد والمكابرة والمزايدة والعنتريات الفارغة ان التعاون بين السلطتين هو الأصل في العملية الديموقراطية التعاون بوصفه تكاملا وتعاضدا التعاون بوصفه شراكة إيجابية ومتكافئة التعاون بوصفه عملا ايثاريا لا استئثاريا التعاون بوصفه تفضيلا للكل الجمعي على الأنا السياسية وتغليب العام على الخاص   عن هذا التعاون البناء أتحدث هنا عن التعاون الذي أصلته المادة ( 50 ) من الدستور ، وفسرته  مذكرته الإيضاحية ، وحث عليه المؤسسون  الأخوات والأخوة ...  كما اسلفت ... أعلم بأن الأوضاع في معظم القطاعات ليست بمستوى الطموح وان هناك أخطاء واختلالات كثيرة يجب التصدي لها ومعالجتها ، وأعلم ان خطوات الإصلاح بطيئة بشكل عام  لكن ،،،، لا يجوز أبدا ان تؤدي أساليب المعالجة الى مضاعفة الأخطاء ذاتها، وان تكون تكريسا لمزيد من الأختلالات او بعبارة أخرى لا يجوز معالجة الخطأ بالخطيئة بحيث يصبح النائب او الوزير او أي سياسي جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل وانا هنا اتحدث عن اختلالات التعاطي الحكومي والنيابي والسياسي بشكل عام مع مشاكلنا  اختلال تأجيل الملفات بدلا من حلها اختلال التسطيح ، والتبسيط المخل ، والشعبوية في التعاطي مع مشاكل بالغة التعقيد ومتخمة بالتفاصيل الفنية اختلال الارتجال بدلا من التخطيط اختلال التعاطي بعقلية التشفي والانتقام بدلا من الحل العملي   وكما قلت مرارا ، من السهل تسجيل النقاط ، وابراء الذمم ، والدخول في الحلقة المفرغة للمزايدات في تعاطينا مع ملفاتنا الوطنية الملحة  لكن الصعب هو التخطيط ، والغوص في التفاصيل ، وتأصيل العمل الجماعي ، والمثابرة في اللجان ، وورش العمل ، وتفعيل فضائل التشاور والحوار والعصف الذهني  الأخـــوات والاخـــوة  أصبح لزاما علينا جميعا ، وعلى الحكومة بشكل خاص ومحدد بوصفها سلطة تنفيذية تهيمن على مصالح الدولة وترسم السياسة العامة وتتابع تنفيذها كما جاء في المادة 123 من الدستور ، ان تشرع بمعالجة كل ملفاتنا المهمة وذلك تطبيقا لما جاء في التوجيه السامي في مناسبات عديدة ومختلفة  ان على الحكومة ان تطور نهجها لتكون بمستوى التحديات الخطيرة  ورغم وجود نجاحات هنا وهناك . الا ان تلك النجاحات المتفرقة والتي هي محل تشجيعنا ودعمنا ، لم تلق من الحكومة اهتماما إعلاميا ، وهذا يبعث على الاستغراب فالإعلام الحكومي إزاء تلك النجاحات منعدم وغير فعال  والناطق باسم الحكومة غائب  والنتيجة !! غياب الحقيقة وسط تفاقم أجواء الإحباط والتململ نحن ننتظر أداء حكوميا متطورا قوامه الرؤية الواضحة والشفافة وأدواته ، الوزراء النشطون ، المتفاعلون ، المشخصون للخلل ، المعالجون للعلل ، المستشرفون للمستقبل الوزراء الواثقون من أدائهم المتلمسون لنبض الشارع وهموم المواطن واحتياجاته الوزراء الواثقون من انفسهم ومن عملهم والذين يواجهون الأدوات الرقابية الدستورية بغض النظر عن وجود أغلبية تناصرهم من عدمها والذين يعينون سمو رئيس مجلس الوزراء في تنفيذ خططه ورؤاه التي تعهد بها أمام سمو الأمير والشعب  الاخــوة والاخــوات ....  كما اسلفت أمامنا استحقاقات كبيرة ، وتحديات كثيرة ، يمثل المواطن الكويتي فيها حجر الزاوية ، فهو الوسيلة والغاية معا هذا المواطن الذي يمارس حقه المشروع في الحلم بوطن آمن ومستقر ومزدهر وعلينا هنا ، مجلسا وحكومة ومجتمعا مدنيا واعلاما ونخبا ان نعمل حثيثا من أجل هذا المواطن  ونحن من جهتنا في الرئاسة ، سنعمل كل ما في وسعنا على ترسيخ هذا النهج المسؤول ، القائم على التعاون كونه بوابة للانجاز ، محاولين أن نيسر ونسهل كل صيغ التعاون البناء ، واقفين على ذات المسافة من كافة ممثلي الشعب ، ومسؤولين عن تطبيق الدستور واللائحة نصا وروحا ، غير مستغنين عن الدعم والمشورة والنصيحة   ولا يفوتني قبل أن أختتم كلمتي ، أن أتوجه بالدعاء الى الباري جل شأنه ، أن يمن بالشفاء العاجل على رئيس الحرس الوطني سمو  الشيخ / سالم العلي السالم الصباح ، وأن يعجل في شفاء أخي ، معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ / ناصر صباح الأحمد الصباح ، وأن يرجع الى بلده ومحبيه سالما معافى ، ليعاود مزاولة مهامه ومسؤولياته الوطنية الكبيرة . وذات الدعاء والرجاء من الله تعالى ، لكافة مرضى المسلمين والمسلمات   واسمحلي يا صاحب السمو قبل ان أختم وخارج النص المكتوب ان أتقدم لسموكم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان على ما تفضلتم به في نطقكم السامي من ثناء كريم على شخصي المتواضع وهذه شهادة ثمينة وغالية من اب كريم وقائد حكيم باننا نسير على الطريق القوي ونسال الله سبحانه وتعالى ان نكون عند حسن ظنك يا صاحب السمو وان نحقق امانيك وتوجيهاتك  خـــتــامـا   أجدد الترحيب بكم يا سمو الأمير ، وسمو ولي العهد ، بين أبنائكما وبناتكما ، داعيا المولى تعالى أن يحفظكما من كل شر ، وأن يمتعكما بموفور الصحة والعافية ، لتستكملا مسيرة البناء والنماء في وطننا الغالي ، انه سميع الدعاء  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مصدر الخبر : شبكة الدستور البرلمانية